مؤلفاته
إنّ عالماً مثلَ الإمام الدَّاوُدِيّ في علمه وفقهه لا بدّ أن يكون له مؤلفاتٌ كثيرة، ولكنّ الذي ذُكر له من ذلك تسعةُ كتب( )، هي:
الأول: شرحُه على صحيح البخاري، الذي سماه: (النصيحة في شرح صحيح البخاري)، وهو شرح كامل لصحيح البخاري، إلاّ أنّه مفقود لا تُعرف نُسخُه.
وقد صرّح غيرُ واحد من العلماء باسم هذا الكتاب ونسبتِه إلى الدَّاوُدِيّ، منهم المازري( )، والقاضي عياض( )، والشريف العلمي في نوازله( )، وغيرِهم.
وذكره الإشبيليُّ في جملة المؤلفات التي رواها عن مشايخه( ).
يُعدُّ شرح الدَّاوُدِيّ ثانيَ شروح صحيح البخاري، فيما هو معروف إلى الآن، فقد ذكر صاحبُ كشف الظنون الإمامَ الدَّاوُدِيّ وجعله ثانيَ مَن شرح صحيح البخاري ـ بعد الخطابي ـ إلاّ أنّه أخطأ في اسم أبيه، فقال: (وكذا أبو جعفر أحمد بن سعيد الدَّاوُدِيّ، وهو ممن ينقل عنه ابن التين)( )، ومنه انتقل الخطأ إلى القنوجي، فقال: (وكذا أبو جعفر أحمد بن سعيد الداؤدي، وهو ممّن ينقل عنه ابنُ التين)( ).
وقد سرى هذا الخطأ أيضًا إلى الدكتور عبد الغني عبد الخالق رحمه الله حيث سمّاه أيضًا: أحمد بن سعيد، ثمّ ذكر أنّ له تذييلاً على شرح الخطابي ينقل عنه ابنُ التين، ويسمّى النصيحة( ).
أقول: وما قاله رحمه الله من كون شرح الدَّاوُدِيّ تذييلاً على شرح الخطابي غيرُ صحيح؛ إذْ لم يذكر ذلك أحدٌ ممّن ترجم له، فلا صلةَ بين الكتابين.
وقال صاحبُ مجلة التاريخ العربي: (ولقد كان من الشروح الأولى لصحيح البخاري، شرحُ أحمد بن نصر الدَّاوُدِيّ في القرن الرابع الهجري، وهو من أهل المغرب الأوسط)( ).
ثمّ رأيت في كتاب (سيرة الإمام البخاري)، للشيخ عبد السلام المباركفوري، أنّه رأى نسخةً قديمةً من شرح الدَّاوُدِيّ على البخاري، كان يملكها الشيخ نذير حسين الدَّهلوي المتوفى سنة(1310ﻫ)( ).
قال الشيخ عبد السلام المباركفوري رحمه الله( ): (وقد اطَّلَعنا على اسم هذا الشرح من النُّسخة القديمة التي كان يملكها شيخ الكُلّ العلامة السيد نذير حسين الدَّهلوي، وإنّ حواشيَ هذه النسخة مليئةٌ من النقول من هذا الكتاب، واتّخذ له علامة (د)، وفي بعض المواضع قال: قال الدَّاوُدِيّ، ويكثرُ ابنُ التين من الاقتباس من هذا الشرح، وبعد الاطلاع على نسخة شيخ الكلّ العلامة السيد نذير حسين رحمه الله(ت1320ﻫ) يتبيّن أنّ شرح الدَّاوُدِيّ شرحٌ مفيدٌ جداً، وقد اتّخذ المؤلف أسلوباً فذًّا في حلّ المطالب، ودفع الإشكالات، والتوفيقِ بين التعارض وتطبيقِ الأحاديث، ولذلك مُلئت حواشي هذه النسخة من مقتطفات شرح الدَّاوُدِيّ)( ).
والغريبُ أنّ محقِّق كتاب (أعلام السنن، أو أعلام الحديث) للخطابي لم يُشر مطلقًا إلى شرح الدَّاوُدِيّ أثناء حديثه عن شروح صحيح البخاري، فقد قفز مباشرةً من الخطابي إلى ابن بَطَّال والكِرماني وابنِ حجر( )، رغم أنّ ابنَ حجر أكثرَ من ذكر الدَّاوُدِيّ في فتح الباري كثرةً بالغةً، بل سمّاه (الشارحَ) في سبعة وعشرين موضعاً، وهو لقبٌ لم يحْظَ به أيُّ واحدٍ ممن أورد ابنُ حجر أسماءهم في فتح الباري، بل يكاد يكون هذا اللقبُ مقصوراً عليه، ولم أجد في الفتح من لقبه ابنُ حجر بهذا اللقب إلاّ الكِرمانيَّ (مرّة واحدة)، وابنَ العطار (مرة واحدة)، وفي غير هذا يقول: (وقال بعضُ الشراح)، أو (بعض الشارحِين).
وقد ألّف الدَّاوُدِيّ كتابه هذا بتلمسان( )، أي بعد شرحه لموطأ الإمام مالك.
وقد كان للإمام الدَّاوُدِيّ سندٌ في الحديث، يدلّ لذلك ما ذكره ابن صُعَد التلمساني في ترجمته، فقد ساق له جملةً من الأحاديث التي رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيده( ).
وما زال الأمل قائما في العثور على هذا الكنز الثمين، والمورد المعين.
الثاني: النامي( ) في شرح الموطّأ( ).
وقد أملاه ـ كما ذكر القاضي عياض وغيرُه ـ بطرابلس، قبل أن يرحلَ إلى تلمسان، وهذا يعني أنّ شرحه للموطّأ سابقٌ على شرحه لصحيح البخاري، لأنّه شرَحَه بعد رحيله من طرابلس، واستقرارِه بتلمسان.
وقد ذكر الإمام الذهبيُّ الدَّاوُدِيّ وتلميذَه أبا عبد الملك البونيَّ في جملة مَن شَرَح موطّأَ الإمام مالك( ).
وذكر الإمام ابنُ خير الإشبيليُّ في فهرسته، أنّ من مؤلفات الدَّاوُدِيّ: النَّامي في شرح الموطّأ، ثمّ قال: حدَّثني به أبو بكر محمد بنُ أحمد بنِ طاهرـ رحمه الله ـ قال: حدَّثنا به أبو علي الغَسَّاني، قال: حدثنا به أبو القاسم حاتمُ بنُ محمد الطرابلسيُّ، قال: حدثني به أبو عبد الملك مروانُ بنُ علي القطان، ويُعرف بالبوني، صاحبُنا الفقيهُ بطرابلس، وسكن معه مدّةً من خمسة أعوام.
قال: وحدَّثني به أيضًا أبو محمد بنُ عتاب إجازةً، قال: حدَّثني به أبو عمر بن عبد البر رحمه الله إجازةً، قال: حدَّثني به أبو جعفر أحمدُ بنُ نصر الدَّاوُدِيّ إجازةً منه لي في جميع ما رواه وألَّفَه رحمه الله.
قال: وحدَّثني به أيضاً أبو محمد بنُ عتَّاب، عن حاتم بنِ محمدٍ الطرابلسيِّ، بسنده المتقدم( ).
ومن هذا الشرح استفاد كثيرٌ ممن شرح الموطأ، كالزرقاني، والسيوطي، وغيرِهما( ).
وقد ذكر القاضي عياض من أسانيده في رواية الموطّأ إسنادَ الإمام الدَّاوُدِيّ، فقد ترجم لشيخه أبي عبد الله أحمدَ بنِ محمد بنِ عبد الله بنِ عبد الرحمن بن غَلَبون الخَولاني المعروف، ثمّ ذكر أنّه حدّثه بكتاب أحمد بنِ نصر الدَّاوُدِيّ، عن أبي عبد الملك البوني، عنه…( ).
وقد كان الظنّ أنَّ منه نسخةً بخزانة القرويين تحمل رقم 175، ولكن تبيّن لنا أنّ هذه النسخة ليست كتاب النامي، وإنّما هي شرح الموطأ للإمام البوني تلميذ الدَّاوُدِيّ، وقد تبيّن ذلك من النقول الكثيرة التي نقلها عنه ابن العربي في المسالك، وعزاها إلى البوني، إضافة إلى أدلّة أخرى لا تترك مجالاً للشكّ في ذلك ذكرناها في مقدمة تحقيقنا لهذا الكتاب، الذي تولّت وزارة الأوقاف القطرية طباعته، وسيأتي الكلام عليه في مناسبة أخرى بحول الله تعالى.
ويبقى شرح الدَّاوُدِيّ للموطأ في رحم الغيب، حتى يوفّق الله تعالى في العثور على نسخة منه وخدمته وإتحاف أهل العلم به، ويومئذ يفرح طلاب العلم بفضل الله.
الثالث: كتاب في التفسير: ذكره الثعالبي( ) في تفسيره باسمه كاملاً، وأكثرَ من العزو إليه، ومن ذلك قولُه: (وقال أحمد بن نصر الدَّاوُدِيّ في تفسيره…)( )، بل قال مُصرِّحًا: (ومهما ذكرتُ الدَّاوُدِيّ في هذا المختَصَرِ، فإنّما أريد أحمدَ بنَ نصرٍ المالكيَّ، ومن تفسيره أنا أنقل)( ).
قلت: وهذا يؤكّد أنّ للدّاوُدِيِّ تفسيراً للقرآن الكريم، ومنه كان ينقل الثعالبي، والله أعلم.
وقد بلغ عدد المواضع التي عزا فيها إلى الدَّاوُدِيّ اثنين وستين موضعاً، تنوّعت بين نقول عن التابعين، وبين شرح لغريب الألفاظ، أو بيان لمعانيها، وغير ذلك.
ومن العلماء الذين وجدتهم ينقلون من تفسير الدَّاوُدِيّ الشيخَ محمد بن يوسف أطفيّش(ت1914ﻫ) في كتابه: هميان الزاد إلى أرض المعاد، وقد بلغ عدد النقول عن تفسير الدَّاوُدِيّ (13) نقلا( ).
الرابع: الواعي في الفقه، ولا شكّ أنّه في الفقه المالكي، وللداودي آراءٌ فقهيةٌ كثيرةٌ مذكورة في كتب الفقه المالكي وغيره( ).
الخامس: الإيضاحُ في الردّ على البَكرية، هكذا سمّاه الذهبي( )، وهو الصواب، وسمّاه بعضهم: الإيضاح في الرد على القدرية، وهو كتاب شارك به مؤلّفُه مع فقهاء القيروان في الردّ على الطائفة البكرية التي تزعّمها أبو القاسم عبد الرحمن بن محمـد بن عبد الله البَكـري، الصِّقَلي، نزيلِ القيروان، الذي ادَّعى رؤيـةَ الله في اليقظة، وقد اقتفى الدَّاوُدِيّ في كتابه هذا أثرَ ابن أبي زيد القيرواني في الجدل حول إثبات كرامات الأولياء، فهو لم ينكر فيه كرامات الأولياء، إلاَّ أنه تبنَّى موقفَ ابن أبي زيد القيرواني في التشدد على التصوف المائل إلى الشعوذة( ).
السادس: كتاب البيان: ذكره عياض( )، ونقلَه عنه غيرُه، ولا نعلم بوجوده، ولا موضوعِه، وربما يكون كتاباً في أصول الفقه، والله أعلم.
السابع: كتاب الأسئلة والأجوبة: هكذا سمّاه محقِّق كتاب الأموال( )، وذكره العَلَمي في نوازله( )، وذكر سزكين أنَّ منه نسخةً مخطوطة بجامع الزيتونة بتونس، تحت رقم (10486)( )، وفي الموسوعة المغربية أنّ منه نسخةً بالخزانة العامة بالرباط تحمل رقم 8178( ).
وقد وُفق الدكتوران الفاضلان اليمين عبد الجبار محمد وياسين باهي إلى تحقيقه، فلهما مني كل الشكر والتحية.
الثامن: كتاب الأصول: ذكره القاضي عياض، وغيرُه( ).
التاسع: كتاب الأموال: وهو من أوائل الكتب التي أُلِّفَت في هذا الوضوع، وهو كتاب مُهم في بابه، وقد نقل العيني عنه قولاً للدّاوُدِيِّ( ). ونقل عنه كثيرٌ من العلماء، وصرّحوا باسمه، ونسبته إلى الدَّاوُدِيّ( ).
والكتابُ طُبع أكثر من طبعة:
الأولى: طبعة مركز إحياء التراث المغربي بالرباط، سنة 1988م، في أقلّ من مائتي صفحة من القطع المتوسط، بتحقيق الأستاذ رضا محمد سالم شحادة، (رسالة جامعية)، وتحقيقُه جيّد، إلاّ أنّه اختصر الكلام في ترجمة الدَّاوُدِيّ.
الثانية: طبعة دار الحامد للنشر والتوزيع، عمان، سنة 2001م، بتحقيق: الدكتور محمد حسن الشلبي.
والحقيقة أنّ هذا المحقّق قد أسرف على نفسه، وارتقى مرتقى صعباً، وأساء إلى الكتاب إساءةً بالغة، وجانبَ قواعدَ التحقيق العلمي المتّبعةَ، والمعروفةَ بين العلماء، وكشف عن عجْزٍ واضحٍ في هذا الباب، كان الأولى تركَه مستورًا.
وقد اطّلعتُ على هذه الطبعة للكتاب، وقرأتُ ما علّقه المحقق على الكتاب، وسجّلتُ جملةً من الملحوظات المهمّة، منها:
1 ـ ذكر المحقق أنّ من تلاميذ الدَّاوُدِيّ أبا عبد الله محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن الحذاء، روى عن ابن أبي زيد بالقيروان، وقد جرّ المحقِّقَ إلى هذا القولِ أنّه وجد في ترجمة الدَّاوُدِيّ أنّ ممّن أخذ عنه أبا عليّ بن الوفاء، وذكر أنّه جلس شهرًا يبحث عن هذا الرجل، فلما لم يجده أقنع نفسه أنّ هناك خطأً، وتصحيفًا في اسم هذا الرجل، وأنّ المراد به ابن الحذاء، ثمّ ذهب يترجم لابن الحذاء، ويثبت أنّه من تلاميذ الدَّاوُدِيّ.
وهذا الذي قاله المحقق غيرُ صحيح على الإطلاق، لأمور:
*ـ أنّ كنية ابن الحذاء أبو عبد الله، وهذا كنيته أبو عليّ.
*ـ أنّ أبا عبد الله الحذاء الذي زعم المحقق أنّه تلميذ الدَّاوُدِيّ هو في الحقيقة قرينه، ومعاصره، فقد ولد سنة(347ﻫ)، وتوفي سنة(410ﻫ)( ).
وولده أبو عمر بن الحذاء(ت467ﻫ)، مشهور أيضًا، وهو تلميذ أبي عبد الملك البُوني تلميذ الدَّاوُدِيّ( ).
ولو أنّ المحقَّق ذكر أبا عمر الحذّاء بدل أبيه أبي عبد الله الحذاء لكان أقربَ إلى القبول، فقد لا يبعد أن يكون أخذ عنه؛ إذ أنّه بدأ الطلب سنة (393ﻫ)، والدَّاوُدِيّ توفي سنة (402ﻫ)، وإن كان هذا بعيدًا؛ نظرًا لجهلنا بالتاريخ الذي ترك فيه الدَّاوُدِيّ طرابلس مرتحلاً إلى تلمسان.
*ـ أنّ ابن أبي زيد الذي جعله المحقق تلميذاً للدّاوُدِيِّ، هو في الحقيقة قرينُه، ومعاصره، وهو أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني الإمام المشهور (ت389ﻫ)، وهو قرين أبي الحسن القابِسي القيرواني أيضًا، أمّا تلميذُ الدَّاوُدِيّ فهو ابنُ الإمام السابق، وهو أبو بكر أحمد بن أبي زيد الفقيه( ).
أمّا أبو علي بن وفاء فهو من أهل سبتةَ، ذكره القاضي عياض في عِداد تلاميذ الدَّاوُدِيّ قائلاً: (من أهل بلدِنا)( )، ولم نجد له ترجمةً فيما بين أيدينا من المصادر.
2 ـ ترك المحقٍّقُ ذكرَ أهمّ تلامذة الدَّاوُدِيّ، وهما الإمامُ ابنُ عبد البَرِّ بالإجازة، والإمامُ ابنُ الفَرَضي صاحبُ تاريخ الأندلس، بل قصّر في ذكر جميع مَن ذكرنا من تلاميذ الدَّاوُدِيّ.
3 ـ وقعت له أخطاءُ في بعض النقول أدّت إلى تحريفٍ في المعنى، من ذلك أنّه حرّف كلام القاضي عياض (… لتشرّقوا)، كتبها (لتسرّوا)، وحرّف كتاب الدَّاوُدِيّ (الواعي في الفقه)، فسمّاه: الداعي في الفقه، وكتاب (النامي في شرح الموطّأ)، فسمّاه: القاضي في شرح الموطّأ( ).
4 ـ الخطأ الذي وقع له في ضبط بُونة، وفي تحديد مكانها، وقد أدّى به خطؤه في ذلك إلى الوقوع في أخطاءَ أخرى فاحشة، ولم يَعرف أنّ بُونةَ المذكورةَ في كتب التاريخ هي مدينةُ عنابةَ المشهورةُ، والمعروفة اليوم في شرق الجزائر، فراح يُترجم لمدينة من مدن هَراة بأقصى الشرق، ثمّ نسبها إلى المغرب.
5 ـ ادّعى أنّه لم يعثر على مدينة طُبنة في المعاجم الجغرافية( )، وهو شيء غريب جداً، فالمدينة معروفةٌ في كثير من كتب التاريخ، وكانت مسرحًا لكثير من الأحداث في تاريخ الجزائر القديم، قال أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن إدريس الحمودي الحسني(ت560ﻫ): (ومن المسيلة إلى طُبنة مرحلتان، وطُبنة مدينةُ الزاب، وهي مدينةٌ حسنةٌ، كثيرةُ المياه والبساتين، والزروع والقطن، والحنطة والشعير، وعليها سورٌ من تراب، وأهلُها أخلاطٌ، وبها صنائعُ وتجاراتٌ، وأموالٌ لأهلها متصرَّفةٌ في ضروب من التجارات، والتمر بها كثير، وكذلك سائرُ الفواكه)( ).
وقال الحميري: (ومدينةُ طُبنة هي مدينة كبيرةٌ، لها حصن قديمٌ، وهي من أرض الجزائر)( ). وتردّد ذكرُها كثيرًا عند ابن خلدون( ).
6 ـ لم يميّز الحميديَّ صاحبَ جذوة المُقتبِس، فنقل قولَه مرّتين، دون أن يَنتبه إلى ذلك( )، قال في الأول: (وقال الحُميدي)، وقال في الثاني: (وقال صاحبُ جذوة المُقتبِس)، وترجم له في الموضع الثاني دون الأوّل، فلم ينتبه إلى أنّ الحميديَّ الأوّل هو صاحبُ جذوة المقتبس الذي ترجم له في الهامش، وأنّ الكلام الذي نقله عنه في الموضع الأوّل هو نفسُه الكلام المذكور في الموضع الثاني.
7 ـ ادّعى أنّه لم يَعثر على اسميْ قبيلتي كُتامة، وعَجيسة (كتبها عجيبة)( )، وهما قبيلتان بربريتان مشهورتان جدًّا، ولهما تاريخٌ حافل، ولا يخلو كتابٌ في تاريخ المغرب من ذكرهما، فالعجب كلَّ العجب من هذا المحقّق !!.
8 ـ خلط بين الإمام أحمد بن حنبل، وأحمد بن نصر الدَّاوُدِيّ، فقد قال ناسخ الكتاب (أو تلميذ الدَّاوُدِيّ): (قال أحمد: هذا لا يصحّ)، فظنّه المحقِّقُ المحترمُ الإمامَ أحمدَ بنَ حنبل، فتطوّع بالترجمة له في الهامش فيما يزيد عن سبعة أسطر؟!!( ).
8 ـ أخطأ في تحديد المراد بأبي العافية( )، فتوهّم أنّه فضلُ بنُ عميرة بنِ مسلم الكِناني المتوفى سنة 197ﻫ، وهذا خطأ بيّنٌ واضح؛ لأنّ أبا العافية المذكور في الإسناد يروي عن فضل بنِ سلمة المتوفى سنة 319ﻫ، فهل يُعقل هذا أيّها المحقِّق؟!!
ثمّ كيف يقول الدَّاوُدِيّ عن أبي العافية إنّه رجلٌ مجهول، ثمّ يأتي المحقِّقُ المحترمُ ليترجم له ترجمةً طويلةً وعريضةً، ذكر فيها أنّه سمع من ابن القاسم، وابن المصعب، وغيرِهما.
والعجيب أنّ المحقق ترجم لفضل مرّتين( ).
9 ـ أخطأ في ترجمة بعض علماء المذهب المالكي، فمن ذلك أنّه في ص279، ورد ذكرُ ابن مُزَين، فترجم المحقِّقُ لإبراهيم بن مزين أبي إسحاق، نقلاً من معجم المؤلفين، وهذا خطأ، بل المقصودُ هو يحيى بن زكرياء بن إبراهيم بن مُزَين( ).
10 ـ تصرّف المحقِّقُ في نصّ الكتاب من خلال وضع عناوينَ فرعيةٍ داخليةٍ كثيرة بحسب فهمه، وهذا أمر لا يجوز في عُرف التحقيق العلمي، فليس له الحقُّ في أن يتصرّف في أصل الكتاب بأيّ شكل من الأشكال.
وليته فعل مثلَ ما فعل الدكتور رضا محمد سالم شحادة، الذي أبقى الكتابَ على حاله، ثمّ وضع له فهرسَ محتوياتٍ استنبطه من نصوص الدَّاوُدِيّ، وحسناً فعلَ.
11 ـ لم يُشر المحقِّقُ إلى مَن سبقه إلى تحقيق هذا الكتاب بسنوات، وهذا أيضا يدلّ على قصورٍ كبيرٍ في استيعاب قواعد البحث العلمي.
12 ـ رغم أنّ المحقِّق اعتمد على نفس النسختين اللتين اعتمدهما المحقِّقُ الآخر، إلاّ أنّ النّص المحقّق عنده مبتورُ الآخر، ضاع منه إحدى عشرة صفحة، من ضمنها بيانُ الناسخ، وتاريخُ الفراغ من النسخة.
13 ـ هناك اختلاف بين المُحَقِّقَيْن في تقدير عدد صفحات النسختين، وأوراقِهما، وفي عدد أسطر النسخة الثانية من المخطوط، ولا أستبعد أن يكون ذلك ناتجاً عن أخطاءَ في الطباعة عند المحقق الثاني، فقد رأيت له أخطاءَ كثيرةً مقارنةً بما عند المحقِّق الأوّل( )، والله أعلم.
هذا مجموع ما عرف للإمام الداودي من تآليف، مما ورد ذكره في الكتب التراجم وغيرها، ولعلّ له غيرها مما ضاع من تراث علماء أهل المغرب، والله المستعان.
هذه خلاصة ترجمة الإمام الداودي، وبقيت أشياء تركتها طلبا للاختصار، ومن شاءها راجعها في مظانها، والحمد لله على فضله.